فصل: 682- باب ما جَاءَ في الطّعامِ يصْنَعُ لأهْلِ الميّت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


10- كتاب الجنائز

قال النووي‏:‏ الجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح، ويقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه ميت ويقال عكسه، والجمع جنائز بالفتح لا غير، قال‏:‏ والجنازة مشتقة من جنز إذا ستر ذكره ابن فارس وغيره والمضارع يجنز بكسر النون انتهى‏.‏

663- باب ما جَاءَ في ثَوابِ المَريض

961- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن إبَراهِيم عن الأسْوَدِ عن عائِشَةَ قالتْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا يُصِيبُ المُؤمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إلاّ رَفَعَهُ الله بِهَا دَرَجَةً وَحَطّ عَنْهُ بها خَطِيئَةً‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن سَعْدِ بنِ أَبي وقّاصٍ وأبي عُبَيْدَةَ بن الجراحِ وأبي هُرَيْرَة وأبي أُمَامَةَ وأبي سَعِيدٍ وأنَسٍ وعبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وأسَدِ بنِ كُلاز وجَابر بن عبدالله وعَبْدِ الرحمَن بنِ أزْهَرَ وأبي مُوسَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

962- حدثنا سُفْيَانُ بن وَكِيعٍ حدثنا أبي عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عن محمد بنِ عَمْروٍ بنِ عَطَاءٍ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ المُوءْمِنَ مِنْ نَصَبٍ ولا حَزَنٍ ولا وَصَبٍ حَتّى الهَمّ يَهُمّهُ إِلاّ يُكَفّرُ الله بهِ عَنهُ سيّئاته‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ في هذا البَابِ‏.‏ قالَ وسمِعْتُ الجَارُودَ يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعاً يَقُولُ‏:‏ لَمْ يُسْمَعْ في الهَمّ أنّهُ يَكُونُ- كَفّارَةً إلاّ في هذا الحَدِيث‏.‏ قالَ‏:‏ وقد رَوَى بَعْضُهُمْ هَذا الحَدِيث عن عَطَاءِ بنِ يَسارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شوكة‏)‏ بالفتح وهو في الفارسية خار ‏(‏فما فوقها‏)‏ يمكن أن يراد به ما هو فوقها في الصغر والقلة فيرجع إلى ما هو أقل منها أو ما هو فوقها في الكبر والتألم فيرجع إلى ما هو أكبر منها، وقد فسروا بالوجهين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها‏}‏ والمعنى الأول أنسب وأفيد قاله أبو الطيب السندي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة بن الجراح وأبي هريرة وأبي أمامة وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن عمرو وأسد بن كرز وجابر وعبد الرحمن بن أزهر وأبي موسى‏)‏ أما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الترمذي وابن ماجة والدارمي‏.‏ وأما حديث أبي عبيدة بن الجراح فأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصله في النسائي بسند جيد وصححه الحاكم وذكره الحافظ في الفتح في كتاب المرضى‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مالك في الموطأ والترمذي‏.‏ وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير كذا في الترغيب‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أحمد ورواته ثقات قاله المنذري‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أسد بن كرز فأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده وابن أبي الدنيا بإسناد حسن‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه‏.‏ وأما حديث عبد الرحمن بن أزهر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أبي موسى فأخرجه البخاري وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما من شيء‏)‏ ما نافية ومن زائدة للاستغراق قوله‏:‏ ‏(‏من نصب‏)‏ بفتحتين التعب والألم الذي يصيب البدن من جراحة وغيرها ‏(‏ولا حزن‏)‏ بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحتهما وهو الذي يظهر منه في القلب خشونة، يقال مكان حرن أي خشن ‏(‏ولا وصب‏)‏ بفتحتين الألم اللازم والسقم الدائم ‏(‏حتى الهم‏)‏ بالرفع فحتى ابتدائية والجملة بعد الهم خبره، وبالجر فحتى عاطفة أو بمعنى إلى فالجملة بعده حاله ‏(‏يهمه‏)‏ أي يذيبه من هممت الشحم إذا أذبته من باب نصر ينصر‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الهم الحزن هم السقم جسمه أذابه وأذهب لحمه، وفي رواية البخاري‏:‏ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، قال في الفتح‏:‏ الهم ينشأ من الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به، والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل، والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده‏.‏ وقيل الهم والغم بمعنى واحد انتهى‏.‏ ‏(‏إلا يكفر الله به عنه سيئاته‏)‏ ظاهره تعميم جميع السيئات لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر لحديث‏:‏ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر‏.‏ فحملوا المطلقات الواردة في التفكير على هذا المقيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ رواه البخاري في صحيحه من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعت الجارود‏)‏ أي قال الترمذي سمعت الجارود وهو الجارود بن معاذ السلمي الترمذي شيخ أبي عيسى الترمذي ثقة من العاشرة ‏(‏يقول سمعت وكيعاً‏)‏ هو وكيع بن الجراح الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة ‏(‏أنه‏)‏ أي وكيعاً‏.‏

664- باب ما جَاءَ في عِيَادَة المَرِيض

963- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ أخبرنا خَالِدٌ الحَذّاءُ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي أَسْمَاءَ الرّحَبِيّ عن ثَوْبَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إنّ المُسْلِمَ إذَا عَادَ أَخَاهُ المُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنّةِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَلِي وأبي مُوسَى والبَراءِ وأبي هُرَيْرَةَ وأنَسٍ وجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ ثَوْبَانَ حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏ ورَوَى أبُو غِفَارٍ وعَاصِمٌ الأحْوَلُ هذا الحَدِيثَ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي الأشْعَثِ أبي عن أسْمَاءَ عن ثَوْبَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وسَمِعْتُ محمداً يقُولُ‏:‏ مَنْ رَوَى هذا الحَدِيثَ عن أبي الأشْعَثِ عن أبي أسْمَاءَ فَهُوَ أَصَحّ‏.‏ قالَ محمدٌ‏:‏ وأَحَادِيثُ أبي قِلاَبَةَ إنّمَا هِيَ عن أبي أسْمَاءَ إلاّ هذا الحَدِيثَ فهُوَ عِنْدِي عن أبي الأشْعَثِ عن أبي أسْمَاءَ‏.‏

964- حدثنا محمدُ بنُ الوَزِيرِ الوَاسِطيّ حدثنا يَزيدُ بنُ هَارُونَ عن عَاصِمٍ الأحْولِ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي الأشْعَثِ عن أبي أَسْمَاءَ عن ثَوْبَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وزَادَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏قِيلَ مَا خُرْفَةُ الجَنّة‏؟‏ قالَ جَنَاهَا‏"‏‏.‏

حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أَيّوبَ عن أَبي قِلاَبَةَ عن أبي أَسْمَاءَ عن ثَوْبَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ ‏(‏عن أبي الأشْعَث‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ورَوَاه بَعْضُهُمْ عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

965- حدثنا أَحمدُ بنُ مَنيعٍ حدثنا الحَسَنُ بنُ محمدٍ أَخبرنا إسْرَائِيلُ عن ثُوَيْرٍ ‏(‏هو ابن أبي فاختة‏)‏ عن أبيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏أَخَذَ عَلِيّ بِيَدِي قَالَ انْطَلِقْ بِنَا إلى الحسن نَعُودُهُ فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى فقالَ عَلِيّ عليه السّلام أَعَائداً جِئْتَ يَا أبَا مُوسَى أَمْ زَائِراً‏؟‏ فقالَ لاَ بَلْ عَائِداً، فقالَ عَليّ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوَةً إِلاّ صَلَى عليهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتّى يُمسِيَ، وإنْ عَادَهُ عَشِيّةً إلاّ صَلى عَليْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتى يُصْبِحَ وكانَ لَهُ خَرِيفٌ في الجَنّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن عَلِي هذا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ومنهم مَنْ وقَفَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ اسْمُ وأَبي فَاخِتَةَ اسمه سَعِيدُ بنُ عِلاَقَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أسماء الرحبى‏)‏ هو عمرو بن مرثد ويقال اسمه عبد الله ثقة من الثالثة مات في خلافة عبد الملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يزل في خرفة الجنة‏)‏ زاد مسلم‏:‏ حتى يرجع‏.‏ والخرقة بضم الخاء وسكون الراء وفتح الفاء‏.‏ قال الهروي في غريبه‏:‏ الخرقة ما يخترف من النخل حين يدرك ثمرة‏.‏ قال أبو بكر بن الأنيارى‏:‏ شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحرزه عائد المريض من الثواب بما يحرز المخترف من الثمر‏.‏ وحكى الهروي عن بعضهم أن المراد بذلك الطريق فيكون معناه أنه طريق يؤديه إلى الجنة كذا في قوت المغتذي‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ قوله لم يزل في خرفة الجنة فإن ممشاه إلى المريض لما كان من الثواب على كل خطوة كان الخطأ سبباً إلى نيل الدرجات في النعيم المقيم، عبر بها عنها لأنه بسببها مجاز انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه الترمذي ‏(‏وأبي موسى‏)‏ أخرجه البخاري ‏(‏والبراء‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه الديلي في الفردوس بلفظ‏:‏ أفضل العيادة أجراً سرعة القيام من عند المريض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ثوبان حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى أبو غفار‏)‏ بكسر المعجمة وتخفيف الفاء آخره راء اسمه مثنى بن سعد أو سعيد الطائي ليس به بأس من السادسة ‏(‏نحوه‏)‏ أي نحو حديث خالد الحذاء ‏(‏قال‏)‏ أي أبو عيسى ‏(‏وسمعت محمداً‏)‏ يعني الإمام البخاري رحمه الله ‏(‏من روى هذا الحديث عن أبي الأشعث عن أبي الأسماء فهو أصح‏)‏ أي من روى عن أبي الأسماء بحذف واسطة أبي الأشعث ‏(‏وأحاديث أبي قلابة‏)‏ أي جميع أحاديثه غير هذا الحديث ‏(‏إنما هي عن أبي أسماء‏)‏ أي بلا واسطة أبي الأشعث ‏(‏إلا هذا الحديث‏)‏ أي المذكور ‏(‏وهو عندي عن أبي الأشعث عن أبي اسماء‏)‏ أي بواسطة أبي الأشعث، فمن روى هكذا فهو أصح ‏(‏وزاد فيه قيل ما خرقة الجنة‏؟‏ قال جناها‏)‏ بفتح الجيم‏.‏ قال في النهاية الجنا اسم ما يجتني من الثمر ويجمع الجنا على أجن مثل عصى وأعص انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثوير‏)‏ بضم المثلثة مصغراً ابن فاختة بمعجمة مكسورة ومثناة مفتوحة سعيد بن علاقة بكسر المهملة الكوفي ضعيف رمى بالرفض من الرابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ سعيد بن علاقة الهاشمي مولاهم أبو فاختة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذ علي‏)‏ أي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ‏(‏إلى الحسن‏)‏ أي ابن علي رضي الله تعالى عنه ‏(‏غدوة‏)‏ بضم الغين ما بين صلاة الغدوة وطلوع الشمس كذا قاله ابن الملك، والظاهر أن المراد به أول النهار وما قبل الزوال ‏(‏إلا صلى عليه‏)‏ أي دعا له بالمغفرة ‏(‏حتى يمسي‏)‏ من الامساء ‏(‏وإن عاده‏)‏ إن نافية بدلالة إلا ولمقابلتها ما ‏(‏عشية‏)‏ أي ما بعد الزوال أو أول الليل ‏(‏وكان له‏)‏ أي للعائد ‏(‏خريف‏)‏ أي بستان وهو في الأصل الثمر المجتني أو مخروف من ثمر الجنة فعيل بمعنى مفعول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي ‏(‏واسم أبي فاختة‏)‏ هو والد ثوير كما عرفت‏.‏

فائدة‏:‏

قال أبو بكر بن العربي تكرار العيادة سنة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل بسعد بن معاذ حين ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، قال ويعاد المريض من كل ألم دق أو جل ويعاد من الرمد، وقد روى أن زيد بن أرقم عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمد أصابه، وما روى عن أبي هريرة مرفوعاً لا يعاد من وجع العين ولا من وجع الضرس ولا من الدمل فليس بصحيح انتهى كلامه محصلا‏.‏

665- باب ما جَاءَ في النهي عن التّمَنّي للمَوْت

‏(‏ت‏:‏ 3‏)‏ 966- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارِ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عن أَبي إسحَاقَ عن حَارِثَةَ بنِ مُضَرّبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلْتُ على خَبّابٍ وقد اكْتَوى في بَطْنِهِ فقالَ مَا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ مِنَ البَلاَءِ ما لَقِيتُ، لَقَدْ كُنْتُ ما أجِدُ دِرْهَماً على عَهْدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي نَاحِيَة من بَيْتِي أَرْبَعُون أَلْفاً ولَوْلاَ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَوْ نَهَى أَن نتَمَنّى المَوْت لَتَمَنّيْتُ‏"‏‏.‏

وفي الباب عن أنس و أبي هُرَيْرَةَ وجَابر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ خَبّابٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّه قال‏:‏ ‏"‏لاَ يَتَمنّيَنّ أَحَدُكُمْ المَوْتَ لِضُر نَزَلَ بهِ ولْيَقُلْ الّلهُمّ أَحْيِنِي مَا كانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لي وتَوَفّنِي إذَا كَانتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي‏"‏‏.‏

967- حدثنا بذلِكَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسماعيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عن أنَسٍ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حارثة بن مضرب‏)‏ بالحاء المهملة والثاء المثلثة وأبوه بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة وآخره باء موحدة وليس له عند المصنف إلا هذا الحديث قاله السيوطي‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ ثقة من الثانية غلط من نقل عن ابن المديني أنه تركه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخلت على خباب‏)‏ بالتشديد أي ابن الأرت بتشديد الفوقية تميمي سبى في الجاهلية وبيع بمكة ثم حالف بني زهرة وأسلم في السنة السادسة وهو أول من أظهر إسلامه فعذب عذاباً شديداً لذلك، وشهد بدراً والمشاهد كلها ومات سنة سبع وثلاثين منصرف علي كرم الله وجهه من صفين، فمر على قبره فقال‏:‏ رحم الله خباباً أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتلى في جسمه أحوالاً ولن يضيع الله أجره ‏(‏وقد اكتوى في بطنه‏)‏ قال الطيبي الكى علاج معروف في كثير من الأمراض، وقد ورد النهي عن الكي فقيل النهي لأجل أنهم كانوا يرون أن الشفا منه وأما إذا أعتقد أنه سبب وأن الشافي هو الله فلا بأس به‏.‏ ويجوز أن يكون النهي من قبل التوكل وهو درجة أخرى غير الجواز انتهى‏.‏ ويؤيده حديث‏:‏ لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ‏(‏لقد كنت وما أجد درهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأكثر الصحابة لأن الفتوحات العظيمة لم تقع إلا بعد، ألا ترى أن عبد الله بن أبي السرح لما افتتح إفرقية في زمن عثمان بلغ سهم الفارس فيه ثلاثة آلاف دينار ‏(‏وفي ناحية بيتي أربعون ألفاً‏)‏ وفي رواية أحمد‏:‏ وإن في جانب بيتي الاَن لأربعين ألف درهم ‏(‏نهانا أو نهى‏)‏ شك من الراوي بين هذين اللفظين ‏(‏أن يتمنى‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏لتمنيته‏)‏ أي لأستريح من شدة المرض الذي من شأن الجبلة البشرية أن تنفر منه ولا تصبر عليه‏.‏ والحديث رواه أحمد وزاد قال ثم أتى بكفنه فلما رآه بكى وقال لكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وجابر‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ولفظه‏:‏ لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب، وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث خباب حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بضر‏)‏ بضم الضاد وتفتح أي بسبب ضرر مالي أو بدني ووجه النهي أن تمنى الموت من أجل الضر أنه يدل على الجزع في البلاء وعدم الرضاء بالقضاء ‏(‏ما كانت الحياة خيراً لي‏)‏ أي من الموت وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية والأزمنة خالية عن الفتنة والمحنة ‏(‏وتوفني‏)‏ أي أمتني ‏(‏إذا كانت الوفاة‏)‏ أي الممات ‏(‏خيراً لي‏)‏ أي من الحياة بأن يكون الأمر عكس ما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

666- باب ما جَاءَ في التَعَوّذِ لِلْمَرِيض

968- حدثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ البَصْرِيّ الصّوّافُ حدثنا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ عن عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أَبي نَضْرَةَ عن أَبي سَعِيدٍ ‏"‏أنّ جِبْرَيلَ أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ‏:‏ يا محمدُ أَشْتَكَيْتَ‏؟‏ قالَ نَعَمْ‏.‏ قالَ بِسْمِ الله أَرْقِيكَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرّ كُلّ نَفْسٍ وَعَيْنٍ حَاسِدٍ بسْمِ الله أَرْقِيكَ والله يَشْفيكَ‏"‏‏.‏

969- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدِ عن عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ قالَ ‏"‏دَخَلْتُ أَنَا وثَابِتٌ على أَنَسِ بنِ مَالِكٍ فقالَ ثابِتٌ‏:‏ يا أبَا حَمْزَةَ اشتَكَيْتُ‏.‏ فقالَ أَنَسٌ أَفَلاَ أرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالَ بَلَى‏.‏ قالَ‏:‏ اللّهُمّ رَبّ النّاسِ مُذْهِبَ البَاسِ إشْفِ أَنْتَ الشّافِي لاَ شَافِيَ إِلاّ أَنْتَ شِفَاءً لاَ يُغٍادِرُ سَقَماً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أنَسٍ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أَبي سَعِيدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وسَأَلْتُ أبا زرْعَةَ عن هذا الحَدِيثِ فَقُلْتُ لَهُ رِوَايَةُ عَبْدِ العَزِيزِ عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعيِدٍ أصَحّ أوْ حَدِيثُ عَبْدِ العَزِيزِ عن أنَسٍ‏؟‏ قالَ كِلاَهُمَا صَحِيحٌ‏.‏ وروى عَبْدُ الصّمدِ بنُ عبدِ الوَارِثِ عن أبيهِ عن عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أَبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ وعن عَبْدِ العَزيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أَنَسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن جبريل‏)‏ بكسر الجيم وفتحها ‏(‏أتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي للزيارة أو العيادة ‏(‏أشتكيت‏؟‏‏)‏ بفتح الهمزة للاستفهام وحذف همزة الوصل، وقيل بالمد على اثبات همزة الوصل وإبدالها ألفاً، وقيل بحذف الاستفهام ‏(‏قال بسم الله أرقيك‏)‏ بفتح الهمزة وكسر القاف مأخوذ من الرقية ‏(‏من شر كل نفس‏)‏ أي خبيثة ‏(‏وعين حاسدة‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ أو عين حاسد‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الاَدمي وقيل يحتمل أن المراد بها العين، فان النفس تطلق على العين، يقال رجل منفوس إذا كان يصيب الناس بعينه، كما قال في الرواية الأخرى‏:‏ من شر كل ذي عين‏.‏ ويكون قوله أو عين حاسد من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شكا من الراوي في لفظه انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وثابت البناني‏)‏ بضم الموحدة ‏(‏يا أبا حمزة‏)‏ هذا كنية أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رب الناس‏)‏ بالنصب بحذف حرف النداء ‏(‏مذهب الباس‏)‏ أي مزيل شدة المرض‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ الباس بغير همزة للازدواج فإن أصله الهمزة ‏(‏شفاء‏)‏ بالنصب على أنه مفعول مطلق لا شف، والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق ‏(‏لا يغادر‏)‏ بالغين المعجمة أي لا يترك ‏(‏سقما‏)‏ بفتحتين وبضم وسكون أي مرضاً والتنكير للتقليل، وفائدة التقييد أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلاً فكان يدعو بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه أحمد وابن السني ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه الشيخان والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي أبو عيسى ‏(‏سألت أبا زرعة‏)‏ هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ الرازي إمام حافظ ثقة مشهور، روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه‏.‏ قال إسحاق‏:‏ كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل مات سنة أربع وستين ومائتين ‏(‏أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث الخ‏)‏ هذا مقول أبي زرعة، واستدل بقوله هذا على كون كلا الحديثين صحيحاً‏.‏

667- باب ما جَاءَ في الحَثّ على الوَصِيّة

970- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَا حَقّ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ولَهُ شَيْءٌ يُوصِي فيهِ إلاّ وَوَصِيّتُهُ مَكْتُوبَة عِنْدَهُ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ أَبي أَوْفَي‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما‏)‏ أي ليس ‏(‏حق امرئ مسلم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ كذا في أكثر الروايات وسقط لفظ مسلم من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك والوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له‏.‏ أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الاسلام عن تارك ذلك، ووصية الكافر جائزة في الجملة‏.‏ وحكى ابن المنذر فيه الإجماع‏.‏ وقد بحث فيه السبكي من جهة أن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت، وأجاب بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالإعتاق وهو يصح عن الذمي والحربي ‏(‏يبيت‏)‏ كأن فيه حذفاً تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى ‏(‏ومن آياته يريكم البرق‏)‏ الاَية، ويجوز أن يكون يبيت صفة لمسلم وبه جزم الطيبي ‏(‏وله شيء‏)‏ جملة حالية ‏(‏يوصي فيه‏)‏ صفة شيء ‏(‏إلا ووصيته مكتوبة عنده‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ ما بمعنى ليس ويبيت صفة ثالثة لامرئ ويوصي فيه صفة شيء، والمستثنى خبر أي لليس ثم قيد ليلتين على ما قاله المظهر تأكيد وليس بتحديد، والمعنى لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلاً في حال من الأحوال إلا أن يبيت بهذه الحال وهي أن يكون وصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت‏.‏ قال الطيبي رحمه الله وفي تخصيص ليلتين تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت ليلة وقد سامحناه في هذا المقدار فلا ينبغي أن يتجاوز عنه‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل على وجوب الوصية والجمهور على أنها مندوبة، وبه قال الشافعي رحمه الله‏.‏ ومعناه ما الحزم والاحتياط لمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده‏.‏ وقال داود وغيره من أهل الظاهر‏:‏ هي واجبة بهذا الحديث، ولا دلالة فيه على الوجوب لكن إن كان على الإنسان دين أو وديعة لزمه الإيصاء بذلك، ويستحب تعجيلها وأن يكبها في صحيفة ويشهد عليه فيها، وإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن أبي أوفى‏)‏ أخرجه البخاري من طريق طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى‏؟‏ فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية‏؟‏ قال أوصى بكتاب الله‏.‏ قوله ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

668- باب ما جَاءَ في الوَصِيّةِ بالثلُثِ والربُع

971- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا جَرِيرٌ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن أبي عَبْدِ الرحمَن السّلَمِيّ عن سَعْدِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ ‏"‏عَادَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنَا مَرِيضٌ فقَالَ‏:‏ أوْصَيْتَ‏؟‏ قُلْتُ نَعَمْ‏.‏ قالَ‏:‏ بِكَمْ‏؟‏ قلت‏:‏ بِمَالِي كُلّهِ في سَبِيلِ الله، قالَ‏:‏ فَمَا تَرَكْتَ لِوَلَدِكَ‏؟‏ قالت‏:‏ هُمْ أَغْنِيَاءُ بِخَيْرٍ، قالَ أَوْصِ بالعُشْرِ، فَمَا زِلْتُ أُنَاقِصُهُ حَتى قالَ أَوْصِ بالثّلث والثّلُثُ كثير‏"‏ قالَ أبوُ عَبْدِ الرحمَنِ ونَحْنُ نَسْتَحِبّ أنْ ينْقُصَ مِنَ الثّلُثِ لِقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والثّلُثُ كثيرٌ‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عبّاسِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ سَعْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عنه مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وقَدْ رُوىَ عنهُ ‏"‏والثّلث كَثِيرٌ‏"‏ والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُوصِى الرّجُلُ بأَكْثَرَ مِنَ الثُلث ويَسْتَحِبّونَ أنْ يَنْقُصَ مِنْ الثُلُثِ‏.‏ وقالَ سُفْيَانُ الثّوْرِىّ كانوا يَسْتَحِبّونَ في الوَصِيّةِ الخُمُسَ دُونَ الرُبُعِ، والرّبُع دُونَ الثّلُثِ‏.‏ ومَنْ أوْصَى بالثّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً، ولا يَجُوُزُ لَهُ إلاّ الثّلُثَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هم أغنياء بخير‏)‏ قال في مجمع البحار‏:‏ قوله بخير خبر بعد خبر أو صفة أغنياء قوله‏:‏ ‏(‏فما زلت أناقصه‏)‏ قال في مجمع البحار‏:‏ أي أراجعه في النقصان أي أعد ما ذكره ناقصاً ولو روى بضاد معجمة لكان من المناقضة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ في جميع النسخ الحاضرة أناقص بالصاد المهملة، وأورد الشيخ ولي الدين هذا الحديث في المشكاة وفيه أيضاً بالصاد المهملة لكن قال القاري في المرقاة‏:‏ وفي نسخة بالمعجمة، وقال فيه نقلاً عن ابن الملك أي قال سعد‏:‏ فما زلت أناقض النبي صلى الله عليه وسلم من المناقضة أي ينقض عليه الصلاة والسلام قولي وأنقض قوله أراد به المراجعة حرصاً على الزيادة‏.‏ وروى بالصاد المهملة عن النقصان انتهى ما في المرقاة‏.‏ قلت وقع في رواية للنسائي‏:‏ أوص بالعشر فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث الخ‏.‏ وقال الجزري في النهاية في حديث صوم التطوع فناقضني وناقضته أي ينقض قولي وأنقض قوله من نقض البناء أراد به المراجعة والمرادة انتهى ‏(‏والثلث كبير‏)‏ وقع في رواية البخاري ‏"‏كثير‏"‏ بالمثلثة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ كذا في أكثر الروايات ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه‏.‏ قال‏:‏ ويحتمل أن يكون قوله والثلث كثير مسوقاً لبيان الجواز بالثلث وأن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل‏.‏ قال الشافعي رحمه الله‏:‏ وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس انتهى‏.‏ قلت المراد بالأول الاحتمال الأول، وهو أن قوله‏:‏ والثلث كثير مسوق لبيان الجواز وأن الأولى أن ينقص عنه‏.‏ روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال‏:‏ لو غفر الناس إلى الربع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث والثلث كبير أو كثير‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث وكأن ابن عباس أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة انتهى ‏(‏قال أبو عبد الرحمن‏:‏ فنحن نستحب أن ينقص من الثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والثلث كثير‏)‏ يعني لوصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه كما عرفت آنفاً‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه وإن كانوا أغنياء فلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم وتقدم لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث سعد حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى عنه كبير‏)‏ أي بالموحدة ‏(‏ويروي كثير‏)‏ أي بالمثلثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون أن يوصي الرجل بأكثر من الثلث‏)‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ إذا أوصى المسلم بأكثر من ثلث ماله فإن لم يكن له ورثة جاز وإن كان له ورثة، فإن أجازوا جازت الوصية وإن ردوا بطلت الوصية‏.‏ وقال مالك والشافعي وأحمد‏:‏ لا يجوز إلا في الثلث ويوضع الثلثان لبيت المال إنتهى ‏(‏ويستحبون أن ينقص من الثلث‏.‏ وقال سفيان الثوري‏:‏ كانوا يستحبون في الوصية الخمس دون الربع والربع دون الثلث الخ‏)‏ قال العيني في شرح البخاري‏:‏ إعلم أن الإجماع قائم على أن الوصية بالثلث جائزة، وأوصى الزبير رضي الله عنه بالثلث‏.‏ واختلف العلماء في القدر الذي تجوز الوصية به هل هو الخمس أو السدس أو الربع، فعن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس وقال‏:‏ إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين بالخمس‏.‏ وقال معمر عن قتادة‏:‏ أوصى عمر رضي الله عنه بالربع‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ السنة الربع كما روى عن ابن عباس‏.‏ وروى عن علي رضي الله عنه‏:‏ لأن أوصى بالخمس أحب إلى من الربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلى من الثلث‏.‏ واختار آخرون السدس‏.‏ وقال إبراهيم‏:‏ كانوا يكرهون أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل وكان السدس أحب إليهم من الثلث‏.‏ واختار آخرون العشر‏.‏ واختار آخرون لمن كان ماله قليلاً وله وارث ترك الوصية، روى ذلك عن علي واين عباس وعائشة‏.‏ وفي التوضيح‏:‏ وقام الإجماع من الفقهاء أنه‏:‏ لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث إلا أبا حنيفة وأصحابه وشريك بن عبد الله‏.‏ قال العيني‏:‏ هو قول ابن مسعود وعبيدة ومسروق وإسحاق‏.‏ وقال زيد بن ثابت‏:‏ لا يجوز لأحد أن يوصي بأكثر من ثلثه وإن لم يكن له وارث، وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي إنتهى كلام العيني‏.‏

669- باب ما جاءَ في تَلْقِينِ المَريضِ عِنْدَ المَوْتِ والدّعَاءِ لَهُ عنده

972- حدثنا أبو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ البَصْرِي حدثنا بَشْرُ بنُ المُفَضّلِ عن عُمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عن يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَقّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إلَهَ إلاّ الله‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وأُمّ سَلَمَةَ وعَائِشَةَ وجَابرٍ وسُعْدَى المُرّيّةِ وهيَ امْرَأةُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي سَعِيدٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

973- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن شَقِيقٍ عن أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ قالَ لَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا حَضَرْتُمْ المَرِيضَ أو المَيّتَ فَقُولُوا خَيْراً فإنّ الملائِكةَ يُؤَمّنُون على مَا تَقُولُونَ‏"‏ قالَتْ‏:‏ فَلَمّا مَاتَ أبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النبيَ صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسولَ الله إنّ أبَا سَلَمَةَ مَاتَ، قالَ فَقُولِي‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ولَهُ وأعقِبْنِي مِنْه عُقْبَى حَسَنَةً، قالَتْ فَقُلْتُ فأَعْقَبَنِي الله مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏‏.‏

شَقِيقٌ هُوَ ابنُ سَلَمَةَ أَبُو وَائِلٍ الأْسَدِيُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أُمّ سَلَمَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد كانَ يُسْتَحَبّ أَنْ يُلَقّنَ المَريضُ عِنْدَ المَوْتِ قَوْل لاَ إلَهَ إلاّ الله‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ إذَا قالَ ذَلِكَ مَرّة فَمَا لَمْ يَتَكَلّمْ بَعْدَ ذَلِكَ فلا يَنْبَغِي أَنْ يُلَقّنَ ولا يُكْثَرَ عَلَيْهِ في هذا‏.‏ ورُوِيَ عن ابنِ المُبَارَكِ أنّهُ لَمّا حَضَرتْهُ الوَفَاةُ جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقّنُهُ لا إلَه إلاّ الله‏.‏ وأكْثَرَ عَلَيْهِ، فقالَ لَهُ عبدُ الله‏:‏ إذَا قُلْتَ مَرّة فأنَا على ذَلِكَ مَا لَمْ أتَكَلّمْ بِكَلاَمٍ‏.‏ وإنّمَا مَعْنَى قَوْلِ عبدِ الله إنّما أَرَادَ ما رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ كانَ آخِرُ قَوْلِهِ لاَ إلَهَ إلاّ الله دَخَلَ الجَنّةَ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة بن غزية‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها تحتانية ثقيلة ابن الحارث الأنصاري والمدني لا بأس به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقنوا موتاكم لا إله إلا الله‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ معناه من حضره الموت ذكروه لا إله إلا الله ليكون آخر كلامه كما في الحديث‏:‏ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة‏.‏ والأمر بهذا التلقين أمر ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الإكثار عليه والموالاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بما لا يليق إنتهى‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ الجمهور على أنه يندب هذا التلقين، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه وذهب إليه جمع، بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه إنتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال القاري والله تعالى أعلم‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري‏:‏ المراد بقول لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلتا الشهادة فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعاً إنتهى‏.‏

إعلم أن المراد من الموتى في هذا الحديث من حضره الموت لا الميت حقيقة، فإن ابن حبان روى عن أبي هريرة بمثل حديث الباب وزاد‏:‏ فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك، ذكره الحافظ في التلخيص‏.‏ وقال فيه‏:‏ وروى من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن جده بلفظ‏:‏ من لقن عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة إنتهى‏.‏ وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله فإنه من كان أول كلامه لا إله إلا الله ثم عاش ألف سنة ما سئل عن ذنب واحد، أخرجه الحاكم في تاريخه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس وقال غريب، كذا في جمع الجوامع للسيوطي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وأم سلمة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه النسائي ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه العقيلي في الضعفاء والطبراني في الدعاء وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك كذا في التلخيص ‏(‏وسعدى المرية‏)‏ بضم السين وسكون العين بنت عوف لها صحبة ‏(‏وهي امرأة طلحة بن عبيد الله‏)‏ أحد العشرة استشهد يوم الجمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث غريب حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعمش‏)‏ إسمه سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي ثقة حافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا حضرتم المريض أو الميت‏)‏ أي الحكمى فأو للشك أو الحقيقي فأو للتنويع قاله القاري ‏(‏فقولوا خيراً أي للمريض أشفه وللميت إغفر له، ذكره المظهر كذا في المرقاة ‏(‏فإن الملائكة يؤمنون‏)‏ بالتشديد أي يقولون آمين ‏(‏على ما تقولون‏)‏ من الدعاء خيراً أو شراً‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم إنتهى ‏(‏وأعقبني منه عقبى حسنة‏)‏ أي عوضني منه عوضاً حسناً ‏(‏فأعقبني الله منه من هو خير منه‏)‏ أي أعطاني الله بدله من هو خير منه ‏(‏رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بدل من من هو خير منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أم سلمة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عن ابن المبارك‏)‏ هو عبد الله بن المبارك المروزي أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام‏.‏ قال ابن عيينة‏:‏ ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما‏.‏ وقال شعبة‏:‏ ما قدم علينا مثله ثقة ثبت فقيه عالم جواد جمعت فيه خصال الخير مات سنة إحدى وثمانين ومائة ‏(‏وإنما معنى قول عبد الله‏)‏ أي ابن المبارك ‏(‏إنما أراد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان آخر قوله الخ‏)‏ أخرجه أبو داود والحاكم عن معاذ بن جبل‏.‏ وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة أنه لما احتضر أرادوا تلقينه فتذاكروا حديث معاذ فحدثهم به أبو زرعة بإسناده وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله‏.‏

670- باب ما جَاءَ في التَشْدِيدِ عِنْدَ المَوْت

974- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن ابنِ الهَادِ عن مُوسَى بنِ سَرْجِسَ عن القَاسِمِ بنِ محمدٍ عن عَائِشَةَ أنّهَا قالَتْ‏:‏ ‏"‏رأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بالموْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فيهِ ماءٌ وهُوَ يُدخِلُ يَدَهُ في القَدَحِ ثُمّ يَمْسَحُ وجْهَهُ بالمَاءِ ثُمّ يقُولُ‏:‏ اللهُمّ أَيمنىّ على غَمَرَاتِ المَوْتِ أو سَكَرَاتِ المَوْتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

975- حدثنا الحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البغدادي حدثنا مُبَشّرُ بنُ إِسماعيلَ الحَلَبِيّ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ العَلاَءِ عن أبيهِ عن ابنِ عُمَرَ عن عائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏مَا أَغْبِطُ أحَداً بَهوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الّذِي رَأيتُ مِنْ شِدّةِ مَوْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ سألْتُ أبا زُرْعَةَ عن هذا الحديثِ و قُلْتُ لَهُ مَنْ عَبْدُ الرحمَنِ بنُ العَلاَءِ‏؟‏ فقال هُوَ العَلاَء بن اللّجْلاَجِ وإنْما عَرّفَهُ مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن الهاد‏)‏ هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني ثقة مكثر من الخامسة ‏(‏عن أبي موسى بن سرجس‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة مدني مستور من السادسة ‏(‏عن القاسم بن محمد‏)‏ بن أبي بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء بالمدينة من كبار الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو بالموت‏)‏ أي مشغول أو ملتبس به ‏(‏ثم يمسح وجهه بالماء‏)‏ دفعاً لحرارة الموت أو دفعاً للغشيان وكربه ‏(‏اللهم أعني على غمرات الموت‏)‏ أي شدائده أي أعني على دفعها‏.‏ قال في القاموس‏:‏ غمرة الشيء شدته ومزدحمة ج غمرات وغمار انتهى‏.‏ وقال في مجمع البحار‏:‏ غمرات الموت شدائده انتهى‏.‏ ‏(‏وسكرات الموت‏)‏ أي شدائده جمع سكرة بسكون الكاف وهي شدة الموت‏.‏ قال سراج أحمد في شرح الترمذي‏:‏ هو عطف بيان لما قبله والظاهر أن يراد بالأولى الشدة وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة‏.‏ وقال القاضي في تفسير قوله تعالى ‏{‏وجاءت سكرة الموت بالحق‏:‏ ‏}‏ إن سكرته شدته الذاهبة بالعقل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ لم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة والضعف والظاهر أنه ضعيف لأن موسى بن سرجس مستور كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحسن بن الصباح البزار‏)‏ آخره راء أبو علي الواسطي نزيل بغداد صدوق يهم وكان عابداً فاضلاً من العاشرة ‏(‏أخبرنا مبشر‏)‏ بكسر المعجمة الثقيلة صدوق من التاسعة ‏(‏عن عبد الرحمن بن العلاء‏)‏ بن اللجلاج نزيل حلب مقبول من السابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ العلاء بن اللجلاج ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أغبط‏)‏ بكسر الباء يقال غبطت الرجل أغبطه إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله وأن يدوم عليه ما هو فيه أي ما أحسد ‏(‏أحداً‏)‏ ولا أتمنى ولا أفرح لأحد ‏(‏بهون موت‏)‏ الهون بالفتح الرفق واللين أي بسهولة موت، والإضافة فيه إضافة الصفة إلى الموضوف أي لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفي، وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات‏.‏ وإلا لكان صلى الله عليه وسلم أولى الناس به فلا أكره شدة الموت لأحد ولا أغبط أحداً يموت من غير شدة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هو ابن العلاء اللجلاج‏)‏ بجيمين وسكون الأول منهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وإنما أعرفه من هذا الوجه‏)‏ لم يحكم عليه بشيء من الصحة والضعف والظاهر أنه حسن‏.‏

671- باب ما جاء برأي المؤمن يموت بعرق الجبين

976- حدثنا محمد بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ عن عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏المُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الجِبِينِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وقد قالَ بَعْضُ أَهْلِ العلم، لاَ نَعْرِفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعاً مِنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن بشار‏)‏ هو محمد بن بشار بندار ثقة من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المؤمن يموت بعرق الجبين‏)‏ قيل هو عبارة عن شدة الموت، وقيل هو علامة الخير عند الموت‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ يعني يشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة لتمحيص ذنوبه أو لتزيد درجته‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ فيه وجهان أحدهما ما يكابده من شدة السياق التي يعرق دونها الجبين، والثاني أنه كناية عن كد المؤمن في طلب الحلال وتضييقه على نفسه بالصوم والصلاة حتى يلقى الله تعالى والأول أظهر كذا في المرقاة‏.‏ وقال العراقي‏:‏ اختلف في معنى هذا الحديث فقيل إن عرق الجبين لما يعالج من شدة الموت وقيل‏:‏ من الحياء وذلك لأن المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحي من الله تعالى فعرق لذلك جبينه، كذا في قوت المغتذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الباب عن ابن مسعود‏)‏ أخرجه الشيخان كذا قال سراج أحمد في شرحه وإني لم أجد في الصحيحين حديثاً عن ابن مسعود في هذا الباب والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه أيضاً، ورواه الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي كذا في المرقاة‏.‏

672- باب

977- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ الكوفي وحدثنا هَارُونُ بنُ عَبْدِ الله البَزّارُ البَغْدَادِيّ قالا‏:‏ حدثنا سَيّارُ ‏(‏بنُ حَاتِمٍ‏)‏ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُليْمَانَ عن ثابِتٍ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على شَاب وهُوَ في المَوْتِ فقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ‏؟‏ قالَ والله يا رسولَ الله إنّي أرْجُو الله وإنّي أَخَافُ ذُنُوبِي‏.‏ فقَالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لاَ يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْد في مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إلاّ أَعْطَاهُ الله مَا يَرْجُو، وآمَنَهُ مِمّا يَخَافُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسن غريبٌ وقد رَوَىَ بَعْضُهُمْ هذا الحَدِيثَ عن ثَابِتٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سيار بن حاتم‏)‏ بفتح السين المهملة وتشديد التحتانية صدوق له أوهام من كبار التاسعة ‏(‏أخبرنا جعفر بن سليمان‏)‏ الضبعي صدوق زاهد لكنه يتشيع من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو بالموت‏)‏ أي في سكراته ‏(‏كيف تجدك‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ أي كيف تجد قلبك أو نفسك في الإنتقال من الدنيا إلى الاَخرة راجياً رحمة الله أو خائفاً من غضب الله ‏(‏أرجوا الله‏)‏ أي أجدني أرجو رحمته ‏(‏وإني‏)‏ أي مع هذا ‏(‏أخاف ذنوبي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ علق الرجاء بالله والخوف بالذنب وأشار بالفعلية إلى أن الرجاء حدث عند السياق وبالإسمية والتأكيد بان إلى أن خوفه كان مستمراً محققاً ‏(‏لا يجتمعان‏)‏ أي الرجاء والخوف ‏(‏في مثل هذا الموطن‏)‏ أي في هذا الوقت وهو زمان سكرات الموت‏.‏ ومثله كل زمان يشرف على الموت حقيقة أو حكماً كوقت المبادرة وزمان القصاص ونحوهما فلا يحتاج إلى القول بزيادة المثل‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ مثل زائدة والموطن إما مكان أو زمان كمقتل الحسين رضي الله تعالى عنه انتهى ‏(‏ما يرجو‏)‏ أي من الرحمة ‏(‏وآمنه مما يخاف‏)‏ أي من العقوبة بالعفو والمغفرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال ميرك عن المنذري إسناده حسن، ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً كذا في المرقاة‏.‏ قلت‏:‏ ورواه ابن ماجة أيضاً‏.‏

673- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَة النّعي

‏(‏باب ما جاء في كراهية النعي‏)‏ بفتح النون وسكون العين المهملة وتخفيف الياء وفيه أيضاً كسر العين وتشديد الياء، وهو في اللغة الإخبار بموت الميت كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة‏.‏ وفي النهاية‏:‏ نعي الميت نعياً إذا أذاع موته وأخبر به

978- حدثنا محمدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازيّ حدثنا حَكاّمُ بنُ سَلْمٍ وحدثنا هَارُونُ بنُ المغيرَةِ عن عَنْبَسَةَ عن أَبي حَمْزَةَ عن إبراهيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عَبْدِ الله عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إيّاكُمْ والنّعْي فإِنّ النّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيّةِ‏"‏‏.‏ قَالَ عَبْدُ الله‏:‏ والنّعْيُ أَذَانٌ بالميّتِ‏.‏ وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ‏.‏

979- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمن المخْزُومِيّ حدثنا عَبْدُ الله بنُ الوَلِيدِ العَدَنِيّ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن أَبي حَمْزَةَ عن إبراهيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عَبْدِ الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ ‏"‏والنّعْيُ أذَانٌ بالميّتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وهذا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ عَن أَبي حَمْزَةَ‏.‏ وأَبُو حَمْزَةَ هُوَ مَيْمُون الأعْوَرُ ولَيْسَ هُوَ بالقَوِيّ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيثِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عَبْدِ الله حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقد كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ النّعْيَ‏.‏ والنّعْيُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُنَاديَ في النّاسِ أَنّ فُلاَناً مَاتَ لِيَشْهَدُوا جَنَازَتَهُ‏.‏ وقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ لا بَأَسَ أن يُعْلِمَ أَهل قَرَابَتَه وإخْوّانِه، ورُوِيَ عن إبرَاهِيمَ أَنه قَالَ‏:‏ لا بأْسَ بأَنْ يُعْلِمَ الرجُلُ قَرَابَتَهُ‏.‏

980- حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا عَبْدُ القُدّوسِ بنُ بَكْرٍ بنِ خُنَيْسٍ حدثنا حَبيبُ بنُ سُلَيْمٍ العَبْسِيّ عن بِلاَلِ بن يَحْيَى العَبْسِيّ عن حُذَيْفَةَ بن اليمان قَالَ‏:‏ ‏"‏إذَا مِتّ فلا تُؤْذِنوا بي، إِنّي أخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْياً، فإنّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن النّعْي‏"‏‏.‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفتح النون مصغراً‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ لا بأس به ‏(‏أخبرنا حبيب بن سليم‏)‏ بضم السين وفتح اللام مصغراً‏.‏ قال الشيخ محمد طاهر في كتابه المغني‏:‏ سليم كله بالضم إلا سليم بن حبان بفتحها ‏(‏العبسي‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الموحدة‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ أخرجا يعني الترمذي وابن ماجه له حديثاً واحداً في الجنائز وحسنه الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات ‏(‏عن بلال بن يحي العبسي‏)‏ روى عن حذيفة بن اليمان وغيره وعنه حبيب بن سليم العبسي وغيره‏.‏ قال إسحاق بن منصور حذيفة بن اليمان وغيره وعنه حبيب بن سليم العبسي وغيره‏.‏ قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين‏:‏ ليس به بأس قاله الحافظ في تهذيب التهذيب‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ صدوق ‏(‏عن حذيفة‏)‏ هو ابن اليمان صحابي جليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا تؤذنوا بي أحداً‏)‏ من الإيذان بمعنى الإعلام أي لا تخبروا بموتي أحداً ‏(‏وينهي عن النعي‏)‏ الظاهر أن حذيفة رضي الله عنه أراد بالنعي في هذا الحديث معناه اللغوي وحمل النهي على مطلق النعي‏.‏ وقال غيره من أهل العلم إن المراد بالنعي في هذا الحديث النعي المعروف في الجاهلية‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ كانت العرب إذا مات فيها ميت له قدر ركب راكب فرساً وجعل يسير في الناس ويقول‏:‏ نعاه فلان أي أنعية وأظهر خبر وفاته، قال الجوهري‏:‏ وهي مبنية على الكسر مثل دراك ونزال كذا في قوت المغتذي‏.‏ وإنما قالوا هذا لأنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي، وأيضاً قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بموت زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة حين قتلوا بمؤتة‏.‏ وأيضاً قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال حين أخبر بموت السوداء أو الشاب الذي كان يقم المسجد‏:‏ ألا آذنتموني‏.‏ فهذا كله يدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعياً محرماً وإن كان باعتبار اللغة يصدق عليه اسم النعي، ولذلك قال أهل العلم إن المراد بالنعي في قوله ينهي عن النعي النعي الذي كان في الجاهلية جمعاً بين الأحاديث‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات‏:‏ الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية‏:‏ دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكرة، الثالثة‏:‏ الاعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجه أيضاً‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بإسناد حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حكام‏)‏ بفتح الحاء المهملة وتشديد الكاف ‏(‏ابن سلم‏)‏ بفتح السين المهملة وسكون اللام ثقة له غرائب من الثامنة ‏(‏عن أبي خمرة‏)‏ هو ميمون الأعور وليس بالقوي عند أهل الحديث‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ميمون ابو خمرة الأعور مشهور بكنيته ضعيف من السادسة ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إياكم والنعي‏)‏ أي اتقوا النعي‏.‏ المراد بالنعي في هذا الحديث ما يكون على طريقة الجاهلية كما تقدم، عن إبراهيم أنه قال لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه، إنما كان يكره أن يطاف في المجالس فيقال أنعى فلاناً فعل أهل الجاهلية رواه سعيد بن منصور في سننه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والنعي أذان بالميت‏)‏ أي إعلام بموته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن حذيفة‏)‏ قد أخرج الترمذي حديث حذيفة في هذا الباب، فلعل أشار إلى حديث آخر له والله تعالى أعلم ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم النعي، والنعي عندهم أن ينادى في الناس بأن فلاناً مات ليشهدوا جنازته‏)‏ قال أبو الطيب في شرحه‏:‏ أي يركب راكب وينادي في الناس فهذا نعي الجاهلية وهو مكروه، ويؤيده حديث عبد الله‏:‏ إياكم والنعي فإن النعي من عمل الجاهلية، وقوله‏:‏ وقال بعض أهل العلم لا بأس بأن يعلم الخ يعني إن نعى نعى غير أهل الجاهلية فلا بأس به وتركه أولى‏.‏ والذي عليه الجمهور أن مطلق الإعلام بالموت جائز وليس فيه ترك الأولى بل ربما يقال إنه سنة لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي رواه البخاري‏.‏ وقال بعض الفضلاء‏:‏ معنى قوله والنعي عندهم الخ أي حملوا النهي على مطلق النعي وهو خبر الموت كما في مقتضى كلام حذيفة على طريق الاحتمال حيث قال فإني أخاف فقوله وقال بعضهم الخ أي يحمل الحديث على نعي أهل الجاهلية انتهى‏.‏ أقول توجيه حسن إلا أنه يأبى تفسيره للقول الأول بما فسره به تفسيرهم بقولهم أن ينادي آه والله أعلم انتهى كلام أبي الطيب‏.‏ قلت‏:‏ فيما قال بعض الفضلاء في شرح كلام الترمذي شيء، وكذا فيما قال أبو الطيب، لكن قول بعض الفضلاء أظهر مما قال أبو الطيب فتفكر‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ والحاصل أن محض الإعلام بذلك لا يكره فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول لا تؤذنوا به أحداً إني أخاف أن يكون نعياً الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن ابراهيم النخعي أنه قال الخ‏)‏ أخرجه سعيد بن منصور في سننه وتقدم لفظه وأخرج أيضاً عن ابن سيرين أنه قال لا أعلم بأساً أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه‏:‏ ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

674- باب ما جَاءَ أَنّ الصّبْرَ في الصّدْمَةِ الأولَى

981- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْث عن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ عن سَعْدِ بنِ سِنَانٍ عن أَنَسٍ أَنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏الصّبْرُ في الصّدْمَة الأولى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجْهِ‏.‏

982- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارِ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ عن شُعْبَةَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الصّبْرُ عِنْدَ الصّدْمَةِ الأولى‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد بن أبي حبيب‏)‏ مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري‏.‏ قال الليث‏:‏ يزيد عالمنا وسيدنا‏.‏ وقال ابن سعد‏:‏ ثقة كثير الحديث مات سنة ثمان وعشرين ومائة ‏(‏عن سعد بن سنان‏)‏ ويقال سنان بن سعد الكندي المصري، وصوب الثاني البخاري وابن يونس صدوق له أفراد من الخامسة كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصبر في الصدمة الأولى‏)‏ وفي الرواية الاَتية عند الصدمة الأولى وفي رواية للبخاري عند أول صدمة‏.‏ وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب‏.‏ والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إذ هناك سورة المصيبة فيثاب على الصبر وبعدها تنكسر السورة ويتسلى المصاب بعض التسلى فيصير الصبر طبعاً فلا يثاب عليها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من هذا الوجه‏)‏ أي من هذا الطريق يعني من طريق الليث عن يزيد بن حبيب عن سعد بن سنان عن أنس‏.‏ وهذا الحديث مشهور من طريق شعبة عن ثابت البناني عن أنس أو بهذا الطريق أخرجه الشيخان في صحيحهما وأخرجه الترمذي أيضاً بهذا الطريق فيما بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصبر عند الصدمة الأولى‏)‏ أي عند قوة المصيبة وشدتها‏.‏ قال الخطابي‏:‏ المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما يعد ذلك فإنه على الأيام يسلو انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ الصبر عند الصدمة الأولى أي هو المطلوب المبشر عليه بالصلاة والرحمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

675- باب ما جَاءَ في تَقْبيلِ الميّت

983- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرحمَن بنُ مَهْدِي حدثنا سُفْيَانُ عن عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ الله عن القَاسِمِ بنِ محمدٍ عن عَائِشَةَ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبّلَ عُثمانَ بنَ مَظُعُونٍ وهُوَ مَيّتٌ وهُوَ يَبْكي أَو قالَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَان‏"‏‏.‏

وفي الباب عن ابن عبّاسٍ وجَابِرٍ وعَائِشَةَ قَالُوا‏:‏ إنّ أَبَا بَكْرٍ قبّلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهُو مَيّتٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَديثُ عائشة حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم بن عبيد الله‏)‏ بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي مدني ضعيف كذا في الخلاصة والتقريب ‏(‏قبل عثمان بن مظعون‏)‏ هو أخ رضاعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال صاحب المشكاة‏:‏ هاجر الهجرتين وشهد بدراً وكان حرم الخمر في الجاهلية، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة، ولما دفن قال نعم السلف هو لنا، ودفن بالبقيع، وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة انتهى ‏(‏وهو ميت‏)‏ حال من المفعول ‏(‏وهو‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أو قال عيناه تدرفان‏)‏ أي تجريان دمعاً‏.‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ فكأن أنظر إلى دموعه تسيل على خديه‏.‏ والحديث يدل على أن تقبيل المسلم بعد الموت والبكاء عليه جائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وجابر وعائشة قالوا‏)‏ أي هؤلاء الثلاثة ‏(‏إن أبا بكر قبل الخ‏)‏ روى البخاري عن عائشة وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ فيه جواز تقبيل الميت تعظيماً وتبركاً لأنه لم ينقل أنه أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر فكان إجماعه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ قال الترمذي حسن صحيح وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة انتهى كلام المنذري‏.‏

676- باب ما جَاءَ في غُسْلِ الميّت

‏(‏باب ما جاء في غسل الميت‏)‏ قال ابن العربي في العارضة‏:‏ خبر الواحد مقبول في الأحكام الشرعية باتفاق من أهل السنة، واختلف العلماء هل يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى فرده أبو حنيفة وقد بيناه في أصول الفقه وأنه قد تناقض في مسائل قبل فيها خبر الواحد، ومن هذا الباب غسل الميت إذ ليس في حديث سواه انتهى

984- حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعِ حدثنا هُشَيْمٌ أَخبرنا خَالدٌ وَ مَنْصُورٌ و هِشَامٌ ‏(‏فَأَمّا خَالِدٌ وهِشَامٌ فقالا عَنْ محمدٍ و حَفْصَةَ‏:‏ وقَالَ منْصُورٌ عن محمدٍ‏)‏ عَن أُمّ عطِيّةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏تُوُفّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اغْسِلْنَهَا وِتْرَا ثَلاَثاً أَو خَمْساً أَو أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنّ، واغْسِلْنَهَا بمَاءِ وسِدْرٍ واجْعَلْنَ في الاَخِرَةِ كَافُوراً أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ، فإِذَا فَرَغْتُنّ فَآذِنّنِي فَلَمّا فَرَغْنَا آذَنّاهُ فأَلْقَى إلينَا حَقْوَه فَقَالَ أَشْعِرنْهَا بهِ‏"‏ قالَ هُشَيْمٌ‏:‏ ‏(‏وفي حدِيثِ غَيْرِ هَؤُلاَءِ ولا أَدْرِي ولَعَلّ هِشَاماً مِنْهُمْ‏)‏ قالَتْ‏:‏ وضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاَثةَ قُرُونٍ‏.‏ قالَ هُشَيْمٌ‏:‏ أَظُنّهُ قالَ فأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا‏.‏ قالَ هُشَيْمٌ‏:‏ فَحَدّثَنَا خَالِدٌ مِنْ بَيْنِ القَوْمِ عن حَفْصَةَ ومحمدٍ عن أُمّ عَطِيّة قالَتْ‏:‏ وقالَ لَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وابْدَأْنَ بِمِيَامِنِهَا ومَوَاضِعَ الوُضُوءِ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أُمّ سُلَيْمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أُمّ عَطِيّةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ وقد رُوِيَ عن إبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ أَنّهُ قالَ‏:‏ غُسْلُ المَيّتِ كالغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ‏.‏ وقالَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ‏:‏ لَيْسَ لِغُسْلِ المَيّتِ عِنْدَنَا حَدّ مُؤقّتٌ ولَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَة ولكن يُطَهّرُ‏.‏ قالَ الشّافِعِيّ إنّمَا قَالَ مَالِكٌ قَوْلاً مُجْمَلاً، يُغَسّلُ وَيُنْقى، وَإذَا أُنْقِيَ الميّتُ بِمَاءِ قراحِ أَوْ مَاءِ غَيْرِهِ أجْزَأَ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ ولكنْ أحَبّ إليّ أن يُغْسَل ثَلاَثاً فصاعِداً لا يقصر عَنْ ثلاثٍ لِمَا قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اغْسِلنَهَا ثلاثاً أو خَمْساً‏.‏ وإنْ أَنْقَوا في أَقَلّ مِنْ ثلاث مَرّات أجْزَأَ ولا نرَى أنّ قَوْلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إنّمَا هُوَ على مَعْنَى الإنْقَاءِ ثلاثاً أو خَمْساً ولَمْ يُؤَقّتْ‏.‏ وكذَلِكَ قالَ الفُقَهَاءُ وهُمْ أَعْلَمُ بمعَانِي الحَدِيثِ‏.‏ وقالَ أحمدُ وإسحاقُ وتكُونُ الغَسَلاَتُ بِمَاءٍ وسِدْرٍ ويَكُونُ في الاَخِرَةِ شَيْءٌ مِنَ كافور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا خالد‏)‏ هو الحذاء ‏(‏ومنصور‏)‏ هو ابن زاذان ‏(‏وهشام‏)‏ هو ابن حسان ‏(‏فأما خالد وهشام فقالا عن محمد وحفصة‏)‏ محمد هذا هو ابن سيرين وحفصة هذه هي بنت سيرين ‏(‏وقال منصور عن محمد‏)‏ أي ولم يذكر حفصة ‏(‏عن أم عطية‏)‏ فروى خالد وهشام عن محمد وحفصة عن أم عطية، وروى منصور عن محمد عن أم عطية‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ مدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم وهو المشهور، وقيل إنها أم كلثوم زوج عثمان كما في ابن ماجة ولفظه‏:‏ دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أم عطية والدولابي في الذرية الطاهرة‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في الفتح‏:‏ فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعاً، فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات ‏(‏من ذلك‏)‏ بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث ‏(‏إن رأيتن‏)‏ أي إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو خمس للإنقاء لا للتشهي فافعلنه قاله الطيبي ‏(‏واغسلنها بماء وسدر‏)‏ قال القاضي هذا لا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات والمستحب استعماله في الكرة الأولى ليزيل الأقذار ويمنع عنه تسارع الفساد ويدفع الهوام‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ الحديث يفيد أن المطلوب المبالغة في التنظيف لا أصل التطهير وإلا فالماء كاف فيه، ولا شك أن تسخين الماء كذلك مما يزيد في تحقيق المطلوب فكان مطلوباً شرعياً‏.‏ وعند الشافعي لا يغلي قيل يبدأ بالقراح أولاً ليبتل ما عليه من الدرن أولاً فيتم قلعه بالماء والسدر ثم يحصل تطييب البدن بعد النظافة بماء الكافور، والأولى أن يغسل الأوليان بالماء والسدر كما هو ظاهر كتاب الهداية‏.‏ وأخرج أبو داود عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية يغسل بالسدر مرتين والثالث بالماء والكافور وسنده صحيح كذا في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث أبي داود هذا نقلاً عن النووي‏:‏ إسناده على شرط البخاري ومسلم انتهى‏.‏ وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏

تنبيه‏:‏

وقع في المرقاة المطبوعة‏:‏ قال القاضي‏:‏ هذا لا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات الخ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن يكون هذا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات بحذف كلمة لا كما قال الزين بن المنير‏:‏ ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها انتهى ‏(‏كافوراً أو شيئاً من كافور‏)‏ شك من الراوي أي اللفظين قال‏:‏ والأول محمول على الثاني لأنه نكرة فيصدق بكل شيء منه ‏(‏فآذنني‏)‏ بالمد وكسر الذال وتشديد النون الأولى أمر لجماعة النساء من الإيذان وهو الإعلام والنون الأولى أصلية ساكنة والثانية ضمير فاعل وهي مفتوحة والثالثة للوقاية ‏(‏فألقى إلينا حقوه‏)‏ بفتح المهملة ويجوز كسرها بعدها قاف ساكنة والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسراً في رواية للبخاري‏.‏ والحقو في الأصل معقد الإزار وأطلق على الإزار مجازاً قاله الحافظ ‏(‏أشعر نهابه‏)‏ أي بالحقو في النهاية أي اجعلنه شعارها، والشعار الثوب الذي يلي الجسد لأنه بلى شعره، قال الطيبي‏:‏ أي اجعلن هذا الحقو تحت الأكفان بحيث يلاصق بشرتها والمراد إيصال البركة إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي حديث غير هؤلاء‏)‏ أي خالد ومنصور وهشام ‏(‏وضفرنا شعرها‏)‏ الضفر قتل الشعر قال الطيبي‏:‏ من الضفيرة وهي النسج ومنه ضفر الشعر وإدخال بعضه في بعض ‏(‏ثلاثة قرون‏)‏ أي ثلاث ضفائر، ووقع في رواية للبخاري ناصيتها وقرينها أي جانبي رأسها وفي رواية أخرى للبخاري‏:‏ أنهن جعلن رأس بنت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضته ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون ‏(‏فألقيناه خلفها‏)‏ أي فألقينا الشعر خلف ظهرها‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ واستدل به على ضفر شعر الميت خلافاً لمن منعه، فقال ابن القاسم لا أعرف الضفر بل يكف، وعن الأوزاعي والحنفية يرسل شعر الميت خلفها وعلى وجهها مفرقة‏.‏ قال القرطبي‏:‏ وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أم فعلته استحساناً كلا الأمرين محتمل، لكن الأصل أن لا يفعل بالميت شيء من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق ولم يرد ذلك مرفوعاً كذا قال‏.‏ وقال النووي‏:‏ الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر عن أم عطية قالت‏:‏ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلنها وتراً واجعلن شعرها ضفائر‏.‏ وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً واجعلن لها ثلاثة قرون انتهى‏.‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سليم‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أم عطية حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال غسل الميت كالغسل من الجنابة‏)‏ يعني يراعى في غسل الميت ما يراعى في الغسل من الجنابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك بن أنس‏:‏ ليس لغسل الميت عندنا حد مؤقت وليس لذلك صفة معلومة‏)‏ قال مالك في الموطأ‏:‏ وليس لغسل الميت عندنا حد موصوف وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر انتهى‏.‏

قلت‏:‏ بل له حد موصوف وصفة معلومة، فيغسل الميت وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأى الغاسل، ويبدأ بميامنه ومواضع الوضوء منه، ويغسل بماء وسدر، ويجعل في الغسلة الأخيرة الكافور‏.‏ وإن كان الميت امرأة فيضفر شعر رأسها ثلاثة قرون ويجعل خلفها‏.‏ وهذه الصفات كلها قد جاءت في حديث أم عطية الصحيح المتفق عليه فلا حاجة إلى القول المجمل بأنه ليس لغسل الميت حد موصوف وليس لذلك صفة معلومة ‏(‏قال الشافعي إنما قال مالك قولاً مجملاً يغسل وينقى‏)‏ ولم يفصل ولم يبين ‏(‏وإذا أنقى‏)‏ بصيغة المجهول من الإنقاء‏.‏ ‏(‏بماء القراح‏)‏ قال في القاموس القراح كسحاب الماء لا يخالطه ثفل من سويق وغيره والخالص كالقريح ‏(‏ولا يرى‏)‏ وفي بعض النسخ أو لا يرى بهمزة الاستفهام ‏(‏ولم يؤقت‏)‏ من التوقيت أي لم يحدد، والمعنى أن المقصود من قوله اغسلنها ثلاثاً أو خمساً هو الانقاء لا التحديد، فإن حصل النقاء والطهارة بأقل من ثلاث مرات أجزأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك قال الفقهاء وهم أعلم بمعاني الحديث‏)‏ المراد بالفقهاء الفقهاء من المحدثين كسفيان الثوري والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وقد صرح الترمذي بذلك في كتاب العلل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد وإسحاق وتكون الغسلات بماء وسدر‏)‏ أي قالا بكون جميع الغسلات بالماء والسدر لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم واغسلنها بماء وسدر، وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل ‏(‏ويكون في الاَخرة‏)‏ أي في الغسلة الاَخرة ‏(‏شيء من كافور‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ وقد قالوا الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور‏.‏ وقد قال النخعي‏:‏ لا يجعل الكافور في الماء وليس هذا في لفظ الحديث ولم يقتضيه بلفظ الحديث من خلط الماء بالسدر والكافور انتهى‏.‏

677- باب ما جَاءَ في المِسْكِ للمَيّت

985- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبُو دَاوُدَ و شَبَابَةُ قالا حدثنا شُعْبَةُ عن خُلَيْدِ بن جَعْفَرٍ سمع أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أطيب الطيب المسك‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

986- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا عن شُعْبَةَ عن خُلَيدِ بنِ جَعْفَرٍ عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن المِسْكِ فقالَ هُوَ أَطْيَبُ طِيبِكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسْحَاقَ وقد كَرِهَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ المِسْكَ لِلْمَيّتِ‏.‏ قال وقد رَوَاهُ المُسْتَمِرّ بنُ الرّيّانِ أَيْضاً عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قالَ عَلِيّ قال يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ المُسْتَمِرّ بنُ الرّيّانِ ثِقَةٌ قال يحيى خُلَيْدُ بنُ جَعْفَرٍ ثِقَدةٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان بن وكيع‏)‏ بن الجراح الرواسي الكوفي أبو محمد‏.‏ قال البخاري يتكلمون فيه‏.‏ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ لئن ‏(‏حدثنا أبي‏)‏ هو وكيع بن الجراح أبو سفيان أحد الأئمة الأعلام ثقة حافظ ‏(‏عن خليد‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن جعفر‏)‏ بن طريف الحنفي البصري صدوق لم يثبت أن ابن معين ضعفه قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال هو أطيب طيبكم‏)‏ أي أفضله فهو أفخر أنواعه وسيدها، وتقديم العنبر عليه خطأ كما قال ابن القيم، ومطابقة الحديث للباب بأن من المعلوم أن الطيب سنة للميت والمسك فرد من الطيب بل هو من أفضل أفراده فهو أيضاً سنة له‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص 443 بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ أخرجه مسلم في الطب وأخرجه أبو داود والنسائي في الجنائز وبوبا عليه باب الطيب للميت قال ولم أعرف مطابقته للباب انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ليس في واحدة من نسخ أبي داود الموجودة عندنا باب الطيب للميت بل وقع في جميعها باب في المسك للميت ووقع في نسخة النسائي المطبوعة الموجودة عندنا المسك وليس فيها لفظ باب ولا لفظ للميت، فالحديث مطابق لتبويبها كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق واستدل لهما بحديث الباب وما أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي وائل‏)‏ قال‏:‏ كان عند علي رضي الله تعالى عنه مسك فأوصى أن يحنط به وقال هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ وسكت‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه البيهقي في سننه‏.‏ قال النووي‏:‏ إسناده حسن وبما أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن سلمان أنه استودع إمرأته مسكا قال‏:‏ إذا مت فطيبوني به فإنه يحضرني خلق من خلق لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم المسك للميت‏)‏ لم أقف على وجه الكراهة والحق هو الجواز‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد رواه المستمر بن الريان الخ‏)‏ بفتح الراء المهملة وشدة التحتانية وأخرج روايته مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال علي‏)‏ وهو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن ابن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله ‏(‏قال يحيى بن سعيد‏)‏ بن فروخ أبو سعيد القطان أحد أئمة الجرح والتعديل‏.‏

678- باب ما جَاءَ في الغُسْلِ مِنْ غُسْلِ المَيّت

987- حدثنا محمدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أبي الشّوَارِبِ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ المُخْتَارِ عن سُهَيْلِ بن أبي صَالِحٍ عن أبيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ، ومِنْ حَمْلِهِ الوُضُوءُ يَعْنيِ المَيّتَ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن عَلِي وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفاً‏.‏ وقد اخْتَلَفَ أهْلُ العِلمِ في الذي يُغَسّلُ المَيّتَ فقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏:‏ إِذَا غَسّلَ مَيّتَاً فَعَلَيْهِ الغُسْلُ‏.‏ وقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الوُضُوءُ‏.‏ وقالَ مَالِكُ بنُ أنَسٍ‏:‏ أسْتْحِبّ الغُسْلَ مِنْ غُسْلِ المَيّتِ ولاَ أرَى ذَلِكَ وَاجِباً وهَكَذَا قالَ الشّافِعِيّ‏.‏ وقالَ أحمدُ‏:‏ مَنْ غَسّلَ مَيّتَاً أرْجُو أن لا يَجِبَ عَليهِ الغُسْلُ وأما الوُضُوءُ فَأَقَلّ مَا قِيلَ فيهِ‏.‏ وقالَ إسْحَاقُ‏:‏ لاَ بُدّ مِنَ الوُضُوءِ‏.‏ قال وقد رُوِيَ عن عَبدِ الله بنِ المُبَارَكِ أنّهُ قالَ‏:‏ لا يَغْتَسِلُ ولاَ يَتَوَضّأُ مِنْ غَسّلِ المَيّتِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من غسله الغسل‏)‏ وفي رواية أبي داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ‏(‏يعني الميت‏)‏ هذا تفسير من بعض الرواة للضمير المجرور في قوله من غسله ومن حمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظ أبي داود‏:‏ قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال‏:‏ اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني، فذهبت فواريته وجثته فأمرني فاغتسلت ودعا لي انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ مدار كلام البيهقي على أنه ضعيف ولا يتبين وجه ضعفه‏.‏ قال وقع عند ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ‏:‏ فقلت إن عمك الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه‏؟‏ قال أرى أن تغسله وتجنه كذا في التلخيص ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه أبو داود وغيره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع‏:‏ من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت انتهى والحديث ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة‏.‏ وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ الصواب عن أبي هريرة موقوف انتهى‏.‏ وقال في التلخيص بعد ما ذكر طرقاً عديدة لحديث أبي هريرة هذا ما لفظه‏:‏ وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض‏.‏ وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي‏:‏ طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحديث احتج بها الفقهاء ولم يعلوها بالوقف بل قدموا رواية الرفع انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الحق أن حديث أبي هريرة هذا بكثرة طرقه وشواهده لا ينزل عن درجة الحسن، وقد صحح هذا الحديث ابن حبان كما ذكره الحافظ في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبرهم‏:‏ إذا غسل ميتاً فعليه الغسل‏)‏ أي فالغسل عليه واجب، وروي ذلك عن علي وأبي هريرة واستدلوا على الوجوب بحديث الباب وما في معناه فإنه بظاهره يدل على الوجوب وقال مالك بن أنس‏:‏ أستحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجباً وهكذا قال الشافعي وقال أحمد‏:‏ من غسل ميتاً أرجو أن لا يجب عليه الغسل، واستدل هؤلاء أيضاً بحديث الباب لكنهم حملوا الأمر فيه على الاستحباب لحديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم‏"‏ أخرجه البيهقي وقد حسن الحافظ إسناده وقال فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب أو المراد بالغسل غسل الأيدي كما صرح به في هذا انتهى، ولحديث ابن عمر رضي الله عنه كما نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ إسناده صحيح وهو يؤيد أن الأمر في حديث أبي هريرة للندب وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث انتهى، ولحديث أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل على من غسل‏؟‏ قالوا لا‏؟‏ قالو لا، رواه مالك في الموطأ‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه، وهو أيضاً من القرائن الصارفة عن الوجوب، فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك المجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجباً من الواجبات الشرعية، ولعل الحاضرين منهم جل المهاجرين وأجلهم، لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه، وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما يتفرقوا من بعد انتهى وقال فيه‏:‏ والقول بالاستحباب هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن انتهى‏.‏

‏(‏وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت‏)‏ استدل من ذهب إلى عدم استحباب الاغتسال من غسل الميت بحديث ابن عباس المذكور وبحديث أسماء بنت عميس المذكور، وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف‏.‏ قال علي بن المديني وأحمد بن حنبل‏:‏ لا يصح في الباب شيء‏.‏ وقال الذهلي‏:‏ لا أعلم فيه حديثاً ولو ثبت للزمنا استعماله‏.‏ وقال الرافعي‏:‏ لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئاً مرفوعاً‏.‏ وقد عرفت أن الحق أن حديث الباب بكثرة طرقه وشواهده لا ينحط عن درجة الحسن وأجابوا أيضاً بأن حديث الباب منسوخ وقد جزم به أبو داود ونقله عن أحمد وفيه أن النسخ لا يثبت بالاحتمال بل إذا وجد ناسخ صريح وهو متأخر‏.‏

679- باب مَا يُسْتَحَبّ مِنَ الأكْفَان

988- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عن عَبْدِ الله بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ البَيَاضَ فإِنّها مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وكفّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن سَمُرَةَ وابنِ عُمَرَ وعائشةَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهُوَ الذي يَسْتَحِبّهُ أهْلُ العِلْمِ‏.‏ وقالَ ابنُ المُبَارَكِ أحَبّ إِليّ أنْ يُكَفّنَ في ثِيَابِهِ الّتِي كان يُصَلّي فِيها‏.‏ وقالَ أحمدُ وإسْحَاقُ‏:‏ أحَبّ إلَيْنَا أنْ يُكَفّنَ فِيها البَيَاضُ، ويُسْتَحَبّ حُسْنُ الكَفَنِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البسوا‏)‏ بفتح الباء ‏(‏من ثيابكم‏)‏ من تبعيضية أو بيانية مقدمة ‏(‏البياض‏)‏ أي ذات البياض ‏(‏فإنها‏)‏ أي الثياب البيض ‏(‏وكفنوا فيها موتاكم‏)‏ قال القاري‏:‏ الأمر فيه للاستحباب‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ وأحبها البياض ولا بأس بالبرد والكتان للرجال، ويجوز للنساء الحرير والمزعفر والمعصفر اعتباراً للكفن باللباس في الحياة انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ استحباب التكفين في البياض مجمع عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سمرة‏)‏ أخرجه أحمد والنسائي والترمذي ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه ابن عدي في الكامل ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه الشيخان بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية إلخ، وفي الباب أحاديث أخرى ذكرى الشوكاني في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى وصححه ابن القطان ‏(‏وقال ابن المبارك أحب إلى أن يكفن في ثيابه التي كان يصلي فيها‏)‏ لأنها ثياب عبادة قد تعبد فيها‏.‏ وروى ابن سعد عن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ كفنونني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما، كذا في فتح الباري في تذكرة الحفاظ للذهبي‏.‏ قال الزهري‏:‏ إن سعداً لما احتضر دعا بخلق جبة صوف وقال كفنوني فيها فإني قاتلت فيها يوم بدر إنما خبأتها لهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويستحب حسن الكفن‏)‏ يأتي بيان حسنه في الباب الأتي‏.‏

680- باب منه

989- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عُمرُ بنُ يُونُسَ حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ عن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ عن أبي قَتَادَةَ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا وَلِيَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ‏"‏‏.‏

وفيهِ عن جَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقال ابنُ المُبَارَكِ قال سَلاّمُ بنُ أبي مُطِيعٍ في قوله‏:‏ ولْيُحْسِنْ أحَدُكُمْ كَفَنَ أخِيهِ‏.‏ قال هُوَ الصّفَاءُ ولَيْسَ بالمُرْتَفِع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليحسن‏)‏ ضبط بفتح الحاء وإسكانها‏.‏ قال النووي‏:‏ كلاهما صحيح ‏(‏كفنه‏)‏ قال السيوطي في قوت المغتذي‏:‏ المشهور في رواية هذا الحديث فتح الفاء وحكى بعضهم سكونها على المصدر انتهى والمراد بإحسان الكفن نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر، وليس المراد بإحسانه السرف والمغالاة ونفاسته لحديث علي رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً، رواه أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن جابر‏)‏ أخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال سلام‏)‏ بتشديد اللام وسلام هذا هو شيخ ابن المبارك ثقة صاحب سنة، في رواية عن قتادة ضعف من السابعة‏.‏ قاله الحافظ ‏(‏هو الصفا‏)‏ أي النظيف ‏(‏وليس بالمرتفع‏)‏ أي في الثمن‏.‏

681- باب ما جَاءَ في كَفَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم

990- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن عائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏كُفّنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في ثَلاثةِ أثْوَابٍ بِيضٍ يَمَانِيّةٍ لَيْسَ فيها قَمِيصٌ ولاَ عِمَامَةٌ‏.‏ قالَ فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ ‏(‏في ثَوْبَيْنِ وبُرْد حِبَرَةٍ‏)‏ فقَالَتْ قَدْ أُتِيَ بالبُرْدِ ولَكِنّهُمْ رَدّوهُ ولمْ يُكَفّنُوهُ فيهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

991- حدثنا ابنُ أبِي عُمرَ حدثنا بِشْرُ بنُ السّرِيّ عن زَائِدَةَ عن عَبْدِ الله بنِ محمدِ بنِ عَقِيلٍ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَفّنَ حَمْزَةَ بنَ عَبْدِ المُطّلِبِ في نَمِرَةٍ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن عَلِي وابنِ عَبّاسٍ وعَبْدِ الله بنُ مُغَفّلٍ وابنِ عُمرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ في كَفَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وحديثُ عَائِشَةَ أصَحّ الأحَادِيثِ التي رُوِيَتْ في كَفَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والعملُ حديث عائشة عِنْدَ أَكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ قالَ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ‏:‏ يُكَفّنُ الرّجُلُ في ثَلاَثَ أثْوَابٍ، إن شِئْتَ في قَمِيصٍ ولِفَافَتَيْنِ وإنْ شِئْتَ في ثلاثِ لَفَائِفَ‏.‏ ويجزئ ثَوْبٌ وَاحِدٌ إنْ لَمْ يَجِدُوا ثَوْبَيْنِ، والثّوْبَانِ يُجْزِيَانِ، والثّلاثةُ لِمَنْ وَجَدها أَحَبّ إليهمْ، وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحمدَ وإسْحَاقَ، قالُوا تُكَفّنُ المَرْأَةُ في خَمْسَةِ أثْوَابٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمانية‏)‏ بتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها، وجه الأول أن الألف بدل من ياء النسبة فلا يجتمعان فيقال يمنية أو يمانية بالتخفيف وكلاهما نسبة إلى اليمن ‏(‏ليس فيها قميص ولا عمامة‏)‏ فيه دليل على أن القميص ليس بمستحب في الكفن وهو قول الجمهور‏.‏ وقال مالك والحنفية باستحبابه‏:‏ وأجابوا عن قول عائشة رضي الله عنها ليس فيها قميص ولا عمامة‏.‏ بأنه يحتمل نفي وجودهما ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة وهما زائدان‏.‏ وأن يكون معناه ليس فيها قميص جديد، أو ليس فيها القميص الذي غسل فيه، أو ليس فيها قميص مكفوف الأطراف‏.‏ ويجاب بأن الاحتمال الأول هو الظاهر وما عداه متعسف فلا يصار إليه كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكروا لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة‏)‏ بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططاً‏.‏ وروى أبو داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح إسناده حسن لكن روى مسلم والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كفن حمزة بن عبد المطلب‏)‏ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏في نمرة‏)‏ بفتح نون وكسر ميم هي شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب‏.‏ كذا في القاموس ‏(‏في ثوب واحد‏)‏ بدل من في نمرة‏.‏ وروى أحمد في سنده عن خباب‏:‏ أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الأذخر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبزار بلفظ قال‏:‏ كفن النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة أثواب‏.‏ وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثه إذا خالف الثقات كما هنا كذا في النيل ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلمكفن في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية الحلة ثوبان، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كبر فتغير‏.‏ قاله الحافظ ‏(‏وعبد الله بن مغفل‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه الحاكم بمعنى حديث علي المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الجماعة ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم‏)‏ أي عمل أكثر أهل العلم على أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل‏.‏ قال القاري في المرقاة نقلا عن المواهب‏:‏ قال مالك والشافعي وأحمد يستحب أن يكون الثلاث لفائف ليس فيها قميص ولا عمامة‏.‏ وقال الحنفية‏:‏ الأثواب الثلاثة إزار وقميص ولفافة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجزئ ثوب واحد الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ إن الثلاث في حديث عائشة ليست شرطاً في الصحة وإنما هو مستحب وهو قول الجمهور‏.‏ واختلف فيما إذا شح بعض الورثة بالثاني أو الثالث‏.‏ والمرجح أنه لا يلتفت إليه، وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا تكفن المرأة في خمسة أثواب‏)‏ لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت‏:‏ كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخفا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الاَخر، الحديث رواه أحمد وأبو داود وقال القاضي ابن العربي في العارضة‏:‏ قوله في هذا الحديث أم كلثوم وهم، إنما هي زينب لأن أم كلثوم توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب ببدر انتهى‏.‏

682- باب ما جَاءَ في الطّعامِ يصْنَعُ لأهْلِ الميّت

992- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ و عَلِيّ بنُ حُجْرٍ قالاحدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن جَعْفَرِ بنِ خَالِدٍ عن أبيهِ عن عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إصْنَعُوا لأهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فإنهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏ وقد كَانَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِب أَنْ يُوجّه إلى أهْلِ المَيّتِ شَيْءٌ لِشُغْلِهِمْ بالمُصِيبَةِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ‏.‏

قال أبو عيسى وجَعْفَرُ بنُ خَالِدٍ هُوَ ابنُ سَارّةَ وهُوَ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ ابنُ جُرَيْجٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما جاء نعي جعفر‏)‏ أي ابن أبي طالب أي خبر موته بموتة وهي موضع عند تبوك سنة ثمان ‏(‏ما يشغلهم‏)‏ لفتح الياء والغين وقيل بضم الأول وكسر الثالث‏.‏ قال في القاموس‏:‏ شغله كمنعه شغلاً ويضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة، والمعنى جاءهم ما يمنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم فيحصل الهم والضرر وهم لا يشعرون‏.‏ قال الطيبي‏:‏ دل على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت انتهى‏.‏ قال ابن العربي في العارضة‏:‏ والحديث أصل في المشاركات عند الحاجة وصححه الترمذي‏.‏ والسنة فيه أن يصنع في اليوم الذي مات فيه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فقد جاءهم ما يشغلهم عن حالهم‏"‏‏.‏ فحزن موت وليهم اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم‏.‏ وقد كانت العرب مشاركات ومواصلات في الباب الأطعمة باختلاف الأسباب وفي حالات اجتماعها انتهى قال القاري والمراد طعام يشبعهم يومهم وليلتهم فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يستمر أكثر من يوم، ثم إذا صنع لهم ما ذكر سن أن يلح عليهم في الأكل لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط جزع انتهى‏.‏ وقال ابن الهمام‏:‏ ويستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اصنعوا لاَل جعفر طعاماً، وقال يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة انتهى‏"‏‏.‏ وقال القاري‏:‏ واصطناع أهل البيت الطعام لأجل اجتماع الناس عليه بدعة مكروهة بل صح عن جرير رضي الله عنه كنا نعده من النياحة وهو ظاهر في التحريم انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث جرير رضي الله عنه أخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ‏:‏ قال كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة انتهى‏.‏ وإسناده صحيح‏.‏

فإن قلت‏:‏ حديث جرير هذا مخالف لحديث عاصم بن كليب الذي رواه أبو داود في سننه بسند صحيح عنه عن أبيه عن رجل من الأنصار قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي‏:‏ ‏"‏لحافراً أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه‏"‏ فلما رجع استقبله داعي امرأته فأجاب ونحن معه، فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا الحديث‏.‏ رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة هكذا في المشكاة في باب المعجزات‏.‏ فقوله‏:‏ فلما رجع استقبله داعي امرأته الخ نص صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة أهل البيت واجتمع هو وأصحابه بعد دفنه وأكلوا، فإن الضمير المجرور في امرأته راجع إلى ذلك الميت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازته، فما التوفيق بين هذين الحديثين المختلفين‏؟‏

قلت‏:‏ قد وقع في المشكاة لفظ داعي امرأته بإضافة لفظ امرأة إلى الضمير وهو ليس بصحيح بل الصحيح داعي امرأة بغير الإضافة، والدليل عليه أنه قد وقع في سنن أبو داود‏:‏ داعي امرأة بغير الإضافة‏.‏ قال في عون المعبود‏:‏ داعي امرأة كذا وقع في النسخ الحاضرة، وفي المشكاة‏:‏ داعي امرأته بالإضافة انتهى‏.‏ وروى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده ص 293 ج 5 وقد وقع فيه أيضاً‏:‏ داعي امرأة بغير الإضافة بل زاد فيه بعد داعي امرأة لفظ‏:‏ من قريش، فلما ثبت أن الصحيح في حديث عاصم بن كليب هذا لفظ‏:‏ داعي امرأة بغير إضافة امرأة إلى الضمير، ظهر أن حديث جرير المذكور ليس بمخالف لحديث عاصم بن كليب هذا فتفكر‏.‏ هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وصححه ابن السكن، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعفر بن خالد هو ابن سارة‏)‏ بمهملة وخفة راء وقيل بشدته، كذا ذكر صاحب المغني ‏(‏وهو ثقة‏)‏ ووثقه أيضاً أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم ‏(‏روى عنه ابن جريج‏)‏ وابن عيينة‏.‏ قال البغوي‏:‏ لا أعلم روى عنه غيرهما كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

683- باب ما جَاءَ في النّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الخُدُودِ وشَقّ الجُيُوبِ عِنْدَ المُصِيبَة

993- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن سُفْيَانَ قالَ حَدّثَنِي زُبَيْدٌ الأيَامِيّ عن إبَراهِيمَ عن مَسْرُوقٍ عن عَبْدِ الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنّا مَنْ شَقّ الجُيُوبَ وضَرَبَ الخُدُودَ ودَعَا بِدَعْوَةِ الجَاهِلِيّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى رحمه الله‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني زبيد‏)‏ بزاي موحدة مصغراً ‏(‏الأيامي‏)‏ بفتح الهمزة ويقال له اليامي بحذف الهمزة أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس منا‏)‏ أي من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني‏.‏ أي ما أنت على طريقتي‏.‏ وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري المذكور في حديث أبي موسى حيث قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة‏.‏ وأصل البراءه الانفصال من الشيء، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلاً‏.‏ قال‏:‏ وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى‏.‏ ‏(‏من شق الجيوب‏)‏ جمع جيب بالجيم والموحدة وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط ‏(‏وضرب الخدود‏)‏ جمع الخد خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك ‏(‏ودعا بدعوة الجاهلية‏)‏ أي بدعائهم‏.‏ يعني قال عند البكاء ما لا يجوز شرعاً مما يقول به أهل الجاهلية كالدعاء بالويل والثبور وكواكهفاه واجبلاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

684- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ النّوْح

994- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا قُرّانُ بنُ تَمّامٍ و مَرْوَان بنُ مُعَاوِيَةَ و يزِيدُ بنُ هَارُونَ عن سَعِيدِ بنُ عُبَيْدٍ الطّائِيّ عن عَلِيّ بنِ رَبِيعَةَ الأسَدِيّ قال‏:‏ ‏"‏مَاتَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُقَال لَهُ قَرَظَةُ بنُ كَعْبٍ فَنِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عليهِ وقالَ‏:‏ مَا بَالُ النّوْحِ في الإسْلاَمِ أَمَا إِنّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏بمَ نِيحَ عَلَيْه عُذّبَ مَا نِيحَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عُمَرَ وعَلِي وأبي مُوسَى وقَيْسِ بنِ عَاصِمٍ وأبي هُرَيْرَةَ وجُنَادَةُ بنِ مَالِكٍ وأنَسٍ وأُمّ عَطِيّةَ وسَمُرَةَ وأبي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ المُغِيرَةِ حديثٌ غريبٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

995- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبُو دَاوُدَ أنبأنا شُعْبَةُ والمَسْعُودِيّ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثِدٍ عن أبي الرّبِيعِ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَرْبَع فِي أُمّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيّةِ لَنْ يَدَعَهُنّ الناسُ‏:‏ النّيَاحَةُ والطعْنُ في الأحْسَابِ والعَدْوَى ‏(‏أجْرَبَ بَعِيرٌ فأَجْرَبَ مِائَةَ بَعِيرٍ‏.‏ مَنْ أجْرَبَ البَعِيرَ الأوّلَ‏؟‏‏)‏ والأنْوَاءُ ‏(‏مُطْرِنَا بِنَوءِ كذَا وكذَا‏)‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قران‏)‏ بضم أوله وتشديد الراء ‏(‏بن تمام‏)‏ بتشديد الميم الأول ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال له فرظة‏)‏ بفتح القاف والراء والظاء المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من وجهه عمر إلى الكوفة ليفقه الناس، وكان على يده فتح الري، واستخلفه علي على الكوفة، وجزم ابن سعد وغيره بأنه مات في خلافته وهو قول مرجوح لما ثبت في صحيح مسلم أن وفاته حيث كان المغيرة بن شعبة أميراً على الكوفة وكانت إمارة المغيرة على الكوفة من قبل معاوية من سنة إحدى وأربعين إلى أن مات وهو عليها سنة خمسين كذا في فتح الباري ‏(‏من نيح‏)‏ مجهول ناح ‏(‏ما نيح عليه‏)‏ أي ما دام نيح عليه، وفي رواية الصحيحين‏:‏ من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه الشيخان والترمذي ‏(‏وعلي‏)‏ أخرجه ابن أبي شيبة ‏(‏وأبي موسى‏)‏ أخرجه أحمد مرفوعاً بلفظ‏:‏ الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه حبذ الميت وقيل له‏:‏ أنت عضدها‏.‏ أنت ناصرها‏.‏ أنت كاسبها‏.‏ إنتهى‏.‏ أخرجه الترمذي ‏(‏وقيس بن عاصم‏)‏ أخرجه النسائي ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي وأخرجه ابن عدي من حديث الحسن عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة‏:‏ والمستمعة، وهو ضعيف ذكره الحافظ في التلخيص ‏(‏وجنادة بن مالك‏)‏ أخرجه الطبراني ‏(‏وأنس‏)‏ وأخرج مسلم عن أنس أن عمر قال لحفصة أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏المعول عليه يعذب في قبره‏"‏، زاد ابن حبان‏:‏ قالت بلى كذا في التلخيص ‏(‏وأم عطية‏)‏ أخرجه الشيخان والنسائي أخرجه البزار ‏(‏وسمرة‏)‏ أخرجه البزار أيضاً ‏(‏وأبي مالك الأشعري‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم مرفوعاً بلفظ‏:‏ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن‏:‏ الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، الحديث وفي الباب أحاديث كثيرة‏.‏ مذكورة في عمدة القاري صفحة 95 ج 4‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث المغيرة بن شعبة حديث غريب حسن صحيح‏)‏ أخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربع في أمتي‏)‏ أي خصال أربع كائنة في أمتي ‏(‏من أمر الجاهلية‏)‏ أي حال كونهن من أمور الجاهلية وخصالها ‏(‏لن يدعهن‏)‏ بفتح الدال أي لن يتركهن ‏(‏النياحة‏)‏ هي قول واويلاه واحسرتاه، والندبة عد شمائل الميت مثل واشجاعاه واأسداه واجبلاه قاله القاري ‏(‏والطعن في الأحساب‏)‏ جمع الحسب وما يعده الرجل من الخصال التي تكون فيه كالشجاعة والفصاحة وغير ذلك، وقيل الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن لاَبائه شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالاَباء ‏(‏والعدوى‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الدال المهملة‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ هو إسم من الإعداء كالرعوي والبقوي من الإرعاء والإبقاء، يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً فتنتقي مخالطته بإبل أخرى خداراً أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه وقد أبطله الإسلام لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى، فأعلمهمم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء ‏(‏أجرب بعير‏)‏ أي صار ذا جرب ‏(‏من أجرب العير الأول‏)‏ هذا رد عليهم أي من أين صار فيهم الجرب ‏(‏والأنواء مطرنا بنوء كذا وكذا‏)‏ الأنواء جمع نوء‏.‏ قال النووي في شرح مسلم نقلا عن الشيخ أبي عمر الصلاح‏:‏ النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً أي سقط وغاب، وقيل نهض وطلع، وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما‏.‏ وقال الأصمعي إلى الطالع منهما‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع، ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوأ تسمية للفاعل بالمصدر‏.‏ قال أبو إسحاق الزجاج في أمالية الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارج إنتهى كلام النووي‏.‏